دراسة بحثية على فوائد الصوم
عقد في العام 1994 مؤتمر في مدينة الدار البيضاء في المغرب عن فوائد الصوم في شهر رمضان المبارك، قُدّمت فيه أكثر من خمسين ورقة بحثية لعلماء مسلمين وغير مسلمين من مختلف أنحاء العالم، أجمعت كلها على أن للصيام منافع صحية ونفسية عديدة ومتنوعة.
ومن أبرز الفوائد الطبية لصيام رمضان أنه راحة للجهاز الهضمي، ويساعد على نقص الوزن باعتدال، وتحسين مستويات كوليسترول الدم ويريح الجهاز الكلوي إضافة للفوائد التربوية والنفسية.
وفيما يلي عرض للتأثيرات الحيوية والفسيولوجية للصيام في شهر رمضان بناء على ما توصلت إليه عدة دراسات عربية وإسلامية عديدة للتعريف بأبرز فوائد الصيام للجسم.
تحسين مستويات الكوليسترول
أظهرت دراسة عربية أجريت في دبي أن تغييرات واضحة تظهر على أنماط وعادات تناول الطعام خلال شهر رمضان المبارك، وهي تغييرات قد تؤدي إلى تغيرات في الجسم وقد تؤثر أيضاً في الصحة.
وقد ألقت الدراسة، التي نفذها فريق من أطباء القلب يترأسهم الدكتور عمر الحلاق، رئيس قسم العلاج التدخلي لأمراض القلب في المستشفى الأمريكي بدبي بالتعاون مع عدد من المتطوعين، الضوء على موضوع الصيام وتناولت التغيرات في مستوى الكوليسترول (الذي يعد مؤشراً رئيساً وأحد عوامل المخاطر المرتبطة بأمراض القلب) خلال شهر رمضان. وقد تم عرض نتائج الدراسة خلال المؤتمر العالمي لأمراض القلب الذي انعقد في دبي.
وشملت الدراسة 37 متطوعاً بالغاً بشكل طوعي جميعهم قادرون على الصيام (لم يظهروا أية مؤشرات تمنعهم من الصيام) خلال شهر رمضان. وقد تم قياس كل من مؤشر كتلة الجسم (BMI) ومعدل ضغط الدم (BP) ومستوى الدهون (فحص الدم الذي يقيس مستوى الكوليسترول فيه) قبل أسبوعين من بدء شهر رمضان. وقد تم إجراء هذه الفحوص مرة أخرى خلال الأسبوع الرابع من شهر رمضان، ثم مرة ثالثة بعد ثلاثة أسابيع على انقضاء الشهر. وتجدر الإشارة إلى أن هناك نوعين من الكوليسترول: أحدهما هو كوليسترول البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة أو الكوليسترول السيء واختصاره (LDL)، والنوع الثاني هو كوليسترول البروتينات الدهنية عالية الكثافة أو الكوليسترول الجيد، واختصاره (HDL).
ومن الممكن أن يتراكم الكوليسترول السيئ (LDL) على جدران الشرايين والأوعية الدموية وهو ما يزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب (وهو السبب الذي من أجله يعد هذا النوع الكوليسترول السيئ. فكلما انخفض مستوى كوليسترول (LDL) كانت مخاطر الإصابة بأمراض القلب أقل). أما الكوليسترول عالي الكثافة (HDL)، أو الكوليسترول الجيد، فكلما ارتفعت مستوياته في الدم كانت مخاطر الإصابة بأمراض القلب أقل. والسبب هو أن كوليسترول (HDL) يحمي من أمراض القلب عن طريق إخراج الكوليسترول السيئ من مجرى الدم ومنع تراكمه في الشرايين.
وتوصلت الدراسة بالنسبة إلى أن معدل مستوى كوليسترول (LDL) انخفض أثناء الصيام في رمضان، بينما ارتفع معدل مستويات كوليسترول (HDL)، وهو ما نتج عنه تحسن واضح في نسبة الكوليسترول عالي الكثافة/الكوليسترول منخفض الكثافة على الرغم من انخفاض مؤشر كتلة الجسم (BMI).
وفي تعليقه على الدراسة قال الدكتور عمر الحلاق: "تتناول دراسة دولة الإمارات تأثيرات الصيام خلال شهر رمضان في مستويات الكوليسترول في الدم، وتوفر دليلاً على أن التغيرات في عادات وأنماط تناول الطعام خلال هذا الشهر الفضيل لها في الواقع أثر إيجابي في مستويات الكوليسترول، على الرغم من وجود زيادة في مؤشر كتلة الجسم ضمن عينة الدراسة. وتحمل هذه الدراسة أهمية خاصة في المنطقة التي تشهد ارتفاعاً في نسب الإصابة بالبدانة والسكري. وقد حققت نتائج هذه الدراسة قبولاً جيداً جداً خلال المؤتمر العالمي لأمراض القلب الذي انعقد مؤخراً في دبي".
وأضاف الدكتور الحلاق: "من الضروري قياس مستوى الكوليسترول مرة كل خمس سنوات على الأقل بالنسبة للبالغين الذين تتجاوز أعمارهم 20 سنة، وبشكل متكرر لدى الذكور فوق عمر 35 سنة والإناث فوق عمر 45 سنة".
وفي دراسة ماجستير عن تغذية الإنسان أعدها معز الإسلام عزت فارس من كلية الزراعة في الجامعة الأردنية خلص إلى أن معظم الدراسات التي اجريت على الصائمين حول كوليسترول الدم وبروتينات الدم الدهنية تشير إلى ارتفاع طفيف في محتوى الدم من الكوليسترول الكلي في نهاية شهر رمضان، وقد نسبت الزيادة إلى عاملين أساسيين:
-السبب الغذائي، حيث أصبح من المعروف أن شهر رمضان يرافقه تنوع الأطباق المتناولة من الطعام وزيادة تناول الدهون والسكريات خلال فترة الإفطار، وبالأخص عند وجبة الإفطار الرئيسة وبدرجة أقل عند وجبة السحور، وقد أشارت الدراسة، التي أجريت على عينة من طلبة جامعة حلب في سوريا خلال شهر رمضان، إلى أن معدلات الكوليسترول قد انخفضت في النصف الأول من شهر الصوم، حينما تناول الطلبة طعاماً قليل الدهن (%8.8 من مجموع الطاقة اليومية)، وارتفعت هذه المعدلات حينما تناول الطلبة طعاماً غنياً بالدهون خلال وجبتي الإفطار والسحور (%51.2 من مجموع الطاقة اليومية) في النصف الثاني من شهر الصيام.
-أما السبب الثاني فقد أجمع عدد من الباحثين في نتائجهم لبحوث أجريت على أصحاء ومرضى على أنه كلما ازداد عدد وجبات الطعام المتناولة في اليوم الواحد انخفض مستوى الكوليسترول في الدم، وكلما نقص عدد وجبات الطعام ارتفعت نسبة الكوليسترول، علماً بأنه في الحالتين كانت السعرات الحرارية ثابتة من حيث كميتها، وهذه النتائج قد تفسر الاتجاه إلى الارتفاع في محتوى الدم من الكوليسترول عند الصائمين، ذلك لأنهم في الأغلب يعتمدون على وجبة رئيسية واحدة وهي وجبة الإفطار، وتليها وجبة السحور، ومن هنا يمكننا أن نستنتج الأهمية الصحية والطبية لوجبة السحور، فبالإضافة إلى أنها تقوي الصائم وتعينه على ممارسة أعماله خلال النهار، فإنها تساعد على التقليل من حجم الزيادة في محتوى الدم من الكوليسترول الذي قد تؤدي زيادته بشكل كبير إلى بعض الآثار الجانبية والسلبية على الصحة، وخاصة على صحة وسلامة القلب والشرايين، وهذا مصداق لما أخبرنا عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال: "تسحروا فإن في السحور بركة".
وفيما يتعلق بالبروتينات الدهنية، فهي تنقسم إلى نوعين رئيسيين: البروتينات الدهنية عالية الكثافة وهي مصدر للكوليسترول النافع، والبروتينات الدهنية منخفضة الكثافة وهي كذلك مصدر لما يسمى بالكوليسترول الضار.
فقد أظهرت إحدى الدراسات التي أجريت في الأردن أنه قد طرأ ارتفاع كبير وملحوظ على محتوى الدم من الكوليسترول النافع وبنسبة تصل إلى 31.9% مقارنة مع محتوى الدم لهذا النوع من الدهون بعد شهر من انتهاء شهر رمضان (بناء على أن الجسم يرجع إلى وضعه الطبيعي الذي كان عليه قبل الصيام بعد مرور شهر على صوم رمضان)، لأن كل التغيرات تزول بعد شهر واحد، ما عدا وزن الجسم، وهذا بدوره سيعمل على تقليل نسبة الكوليسترول الكلي إلى الكوليسترول النافع وتقليل نسبة النوع الضار إلى المفيد في الدم، ومن المعروف من الناحية الطبية أنه كلما انخفضت تلك النسب فإن ذلك سيقلل من الإصابة بأمراض القلب وانسداد الشرايين، لما للنوع النافع من دور في إزالة الكوليسترول الضار المترسب على جدار الأوعية الدموية ونقله إلى الكبد لتمثيله هناك.
تأثير الصيام في الوزن
تشير الدراسات التي أجريت على مجموعات من الصائمين أن وزن الجسم قد تغير في نهاية شهر رمضان على شكل زيادة أو نقصان في الوزن مقارنة مع ما كان عليه الحال قبل الشهر أو بعده، بنسبة تصل إلى%3.6- و%2.4+ كمعدل للنقصان والزيادة على التوالي.
ومن الأسباب التي يعتقد أنها تؤدي إلى زيادة الوزن تناول كميات كبيرة من الحلويات الغنية بالدهون والسكريات خلال فترة الإفطار، إضافة إلى الإفراط في تناول الطعام بعد فترة الصيام، كما تعزى هذه الزيادة إلى بعض الممارسات الخاطئة لدى بعض الصائمين والمتمثلة بكثرة النوم والجلوس وقلة العمل، خلافاً لما يجب أن يكون عليه حال المسلم من العمل والعبادة خلال الشهر الكريم.
أما نقصان الوزن وهو ما أشارت إليه معظم الدراسات، ونسبته أكبر من نسبة الزيادة في الوزن (3.6- إلى 2.5+ %)، فهو يختلف أيضاً باختلاف الوزن الأصلي والجنس وطبيعة العمل والممارسات الغذائية، فمن خلال دراسة أجراها الأستاذ الدكتور حامد التكروري من الجامعة الأردنية على ثلاث مجموعات مختلفة الوزن، هي مجموعة مفرطي الوزن ومجموعة المقارنة (ذوي الوزن الطبيعي) ومجموعة ناقصي الوزن، أظهرت النتائج أن نسبة الانخفاض في الوزن كانت للمجموعة الأولى (مجموعة مفرطي الوزن) أكبر من نسبة الانخفاض في المجموعات الأخرى (2.62 كغم للمجموعة الأولى، 2 كغم للمجموعة الثانية، و0.64 للمجموعة الثالثة)، وقد عزى الباحث ذلك التباين في نسبة الفاقد من الوزن إلى عوامل عدة، منها:
-أن معدل التمثيل الأساسي، وهو أحد مقاييس الطاقة في جسم الإنسان، يكون أعلى في حالات الوزن الزائد عما هو عليه في حالات الوزن الطبيعي والوزن المنخفض.
-أن عمليات الاستقلاب للبروتين داخل الجسم تكون أعلى عند مفرطي الوزن ممن سواهم.
-ان الأفراد المصابين بزيادة الوزن يستهلكون الطاقة المخزونة في الجسم (على شكل أنسجة دهنية غالباً) بدرجة أكبر مما عند الأفراد الطبيعيين، وهذا بدوره يجعل كمية الوزن المفقود أكبر في نهاية شهر الصوم للأفراد زائدي الوزن عن الأفراد الآخرين.
وذكرت الدراسة أن هذا الاختلاف في الوزن المفقود يفيد أكثر ما يفيد الأفراد المصابين بالسمنة وزيادة الوزن، حيث يساعدهم ذلك على التخلص من الوزن الزائد، وبالتالي التخفيف من حدة مرض السمنة والتقليل من خطر الإصابة بالأمراض المرتبطة به مثل أمراض القلب والشرايين و ارتفاع ضغط الدم والسكري وأمراض الكلى والمرارة والنقرس وغيرها من الأمراض الخطرة الملازمة لمرض السمنة.
وقد أكدت دراسة علمية نشرت في عام 1993 أن انقاص الوزن بمقدار 4.5 كغم كان كافياً لخفض ضغط الدم عند المصابين بارتفاع ضعيف أو متوسط في الضغط إلى المستوى الطبيعي.
كما أظهرت الدراسة أن معظم النقصان الذي طرأ على وزن الجسم قد حدث في النصف الأول من شهر رمضان، حيث كانت نسبة النقصان في النصف الأول %67 و%70 من الوزن الكلي المفقود للمجموعتين الأولى والثانية على التوالي، وتشير بعض الدراسات إلى أن معدل الفقد في الوزن خلال النصف الأول من الشهر راوح ما بين %56 و%81.
وبينت الدراسة أن الانخفاض في وزن الجسم يتباين تبعاً للجنس، حيث كان الانخفاض في الوزن عند الصائمين الذكور أعلى منه عند الإناث، بمقدار 0.34 كغم، أي بنسبة %18.18 لمصلحة الذكور، وهذا الأمر يتغير تبعاً للطبيعة المعيشية والاجتماعية لأفراد المجتمع، فقد أظهرت دراسة أجريت في ماليزيا على مجموعة من النساء الماليزيات المسلمات أن نسبة الفقد في الوزن كانت عند النساء أكثر منها عند الرجال.
ويمكن تفسير هذا التغير في الوزن إلى أسباب أهمها:
-نقص الطاقة الغذائية المتناولة: وهي أهم عامل في نقصان وزن جسم الصائم، إذ إن كمية السعرات الحرارية المتناولة يومياً خلال فترة الإفطار تحدد نسبة الفقد في الوزن، ففي إحدى الدراسات، انخفض معدل وزن الجسم لمجموعة من الصائمين إلى %3.6 من وزنهم قبل شهر الصوم، وذلك لانخفاض مقدار السعرات الحرارية اليومية المتناولة بنسبة %22.4 مقارنة بفترة ما قبل الصوم. ومعروف أن بعض الصائمين قد يزداد وزنهم مع نهاية شهر رمضان بسبب تناولهم كميات من السعرات الحرارية تفوق حاجة أجسامهم، خصوصاً أن شهر رمضان يتميز بتنوع وكثرة أصناف الطعام في وجبتي الافطار والسحور.
-نقص السوائل: تشير إحدى الدراسات التي أجريت على مجموعة من الصائمين إلى أن معدل تناول الماء والسوائل قد انخفض خلال شهر رمضان بشكل كبير عما كان عليه الحال قبل شهر الصيام، حيث انخفض معدل تناول السوائل من 3.9 لتر/ اليوم إلى 2.25 - 2.50 لتر/اليوم خلال الشهر، ويؤدي هذا الانخفاض في كمية السوائل المتناولة إلى تغيير في التوزيع الطبيعي للسوائل داخل الجسم أو ما يسمى بتوازن السوائل، الذي يتركز في الأسبوعين الأولين من شهر رمضان، ويستمر حتى بداية الأسبوع الثالث من الصيام حيث يتم تعديل هذا الخلل أو الاضطراب (الناشئ عن الفقد المفاجئ للسوائل داخل الجسم) خلال الأسبوع الثالث، وذلك من خلال عدد من الآليات التي يقوم بها الجسم للحفاظ على محتوى وتوازن السوائل داخله، مثل تقليل كمية البول وزيادة تركيزه من خلال زيادة امتصاص أملاح الصوديوم داخل الكلى، وتقليل فترة التبول في كل مرة، وذلك للحد من التأثير السلبي لنقص السوائل المتناولة. وبالرغم من التأثير السلبي لاختلال توازن السوائل داخل الجسم (بسبب انخفاض كمية السوائل المتناولة والتبول)، فإن له جانباً صحياً إيجابياً، حيث يعتقد أنه مسبب أساسي ورئيسي لنقصان الوزن خلال تلك الفترة (وهي النصف الأول من رمضان)، فقد أثبتت العديد من الدراسات أن نقص الوزن خلال تلك الفترة يعزى أساساً إلى هذا العامل، كما أن لدرجة حرارة ورطوبة الجو ودرجة الجهد البدني المبذول من قبل الصائم دوراً مهماً في تحديد درجة جفاف الجسم خلال الصيام.
-الطاقة المصروفة: ويتم هذا من خلال الجهد البدني المبذول في إنجاز الأعمال اليومية، إذ تزداد نسبة الوزن المفقود في نهاية الشهر بزيادة الطاقة المصروفة، حيث تترافق الزيادة في الجهد مع استهلاك كميات إضافية من الطاقة المخزونة في الجسم (التي تكون أساساً على شكل انسجة دهنية). ففي الدراسة التي أجريت في ماليزيا تبين أن النسوة اللاتي شاركن في الدراسة فقدن وزناً أكثر خلال شهر رمضان بالرغم من أنهن كن يتناولن سعرات حرارية أكثر من الذكور خلال الشهر، والسبب في ذلك أن هؤلاء النسوة كن يقمن بأعمال المنزل خلال ساعات النهار، بينما تمتع الرجال بفترة راحة أطول خلال فترة الصيام.
الجليسيريدات الثلاثية
أظهرت العديد من الدراسات أن معدلات الجليسيريدات الثلاثية في الدم تميل إلى الانخفاض بشكل طفيف خلال شهر رمضان، كما أظهرت دراسات أخرى أن معدلات الجليسيريدات الثلاثية قد زادت خلال هذه الفترة، ويرجع هذا التغير بشكل أساسي إلى محتوى الأغذية المتناولة خلال فترة الإفطار من المواد السكرية والنشوية (الكربوهيدرات)، حيث إن الزيادة في تناول الأغذية الغنية بهذه المغذيات ترتبط بشكل وثيق مع الزيادة في محتوى الدم من هذا النوع من الدهون ولكن بسبب انخفاض محتوى الطاقة المتناولة خلال شهر رمضان سواء من المصادر الكربوهيدراتية أو الدهينة بالنسبة لما قبل شهر الصوم فإن معدلات الجليسيريدات الثلاثية تميل إلى الانخفاض مع نهاية الشهر، ومن الأدلة على ذلك انخفاض معدلات الأوزان بشكل عام خلال هذا الشهر (كما أشرنا إلى ذلك سابقاً) التي تعكس انخفاضاً في محتوى الطاقة المأخوذة الأمر الذي سيقلل حتماَ من محتوى الدم من هذه الدهون.
التغيرات في محتوى الدم من سكر الجلوكوز
لاحظ الباحثون الذين أجروا فحوصاً على محتوى الدم من سكر الجلوكوز أن مستوى هذا السكر يميل إلى التغير بشكل طفيف وغير ملحوظ خلال شهر رمضان سواء بالزيادة أو النقصان، وذلك تبعاً لطبيعة الأغذية المتناولة خلال فترة الإفطار وخصوصاً فيما يتعلق بمحتوى الأغذية من الدهون والسكريات، فقد لاحظ أحد الباحثين ان لمحتوى الأغذية من الكربوهيدرات والدهون تأثيراً إيجابياً وسلبياً على التوالي لكل منها فيما يتعلق بمحتوى الدم من سكر الجلوكوز.
بيولوجيا الجهاز العصبي والسلوك أثناء الصوم
أظهرت دراسة طبية نفسية حديثة أجراها استشاري نفسي عن بيولوجيا الجهاز العصبي والسلوك أثناء الصوم أن التحكم في الشهوات وكبح الإحساس بالجوع أثناء الصيام له فوائد جمة للإنسان، منها محاربة الشعور بالاكتئاب وتحقيق التوازن النفسي، وتعديل الحوار الذاتي، وذكر صاحب الدراسة رئيس وحدة التأهيل بمستشفى الطب النفسي بالكويت الدكتور رامز طه، أن دراسته التي تحمل عنوان: "الإعجاز العلمي والنفسي في الصوم" تجيب عن الكثير من التساؤلات التي تدور في أذهان البعض حول الفائدة من الصيام والحكمة من حرمان النفس من غرائز وشهوات ورغبات حللها الله لها طوال العام.
وقال الدكتور طه: "إن حكمة الصوم وفوائده تأكدت لي من خلال دراسة أكثر من عينة عشوائية من المتطوعين وأصحاب المشكلات النفسية، وأظهرت جوانب الإعجاز العلمي والنفسي في الصوم، وفعاليته في تعديل التفكير والسلوك والتخلص من العادات غير المرغوبة وتنمية القدرة على الضبط الذاتي".
وأضاف أن فوائد الصيام التي توصل إليها من ناحية التنمية النفسية هي الضبط الذاتي الذي يلتزم به الصائم بيولوجياً ونفسياً وسلوكياً، حيث ثبت أن الصيام يمنح الإنسان تدريباً عالياً وقدرة جيدة على التحكم في المدخلات والمثيرات العصبية مع القدرة على خفض المؤثرات الحسية ومنعها من إثارة مراكز الانفعال بالمخ.
وأوضح أن هذه الحالة هي درجة من الحرمان الحسي، وقد ثبت أن تقليل المؤثرات الحسية له تأثيرات إيجابية في النشاط الذهني والقدرة على التفكير المترابط العميق والتأمل والإيحاء، كما أنه يمنح الإنسان قدرات عالية على الصفاء والحكمة والتوازن النفسي.
وأكد الدكتور طه أن تحمل ألم الجوع والصبر عليه يحسن من مستوى مادة السيروتونين، وكذلك ما يسمى "بمخدرات الألم الطبيعية" التي يقوم المخ بإفرازها، وهي مجموعتان تعرفان بمجموعة الأندورفين ومجموعة الإنكفالين، وقال إن المجموعة الأولى تتركب من 31 حمضاً أمينياً مستخلصاً من الغدة النخامية، ولهذه المواد خواص في التهدئة وتسكين الألم أقوى عشرات المرات من العقاقير المخدرة والمهدئة الصناعية، أما المجموعة الثانية فتتركب من خمسة أحماض أمينية وتوجد في نهايات الأعصاب.
وأضاف أنه لكي يستمر إفراز هذه المواد المهدئة والمسكنة والمزيلة لمشاعر الألم والاكتئاب، لابد أن يمر الإنسان بخبرات حرمان ونوع من ألم التحمل، وأن يمتنع عن تناول المواد والعقاقير التي تثير البهجة وتخدر الألم خاصة (الأفيون) ومشتقاته وبعض العقاقير المخدرة الحديثة، وبين أن الصوم يمثل تدريباً يومياً منظماً يساعد الإنسان على تغيير أفكاره واتجاهاته وسلوكه بصورة عملية تطبيقية تشمل ضبط وتنظيم المراكز العصبية المسؤولة عن تنظيم الاحتياجات البيولوجية والغرائز من طعام وجنس وأيضاً الدوائر العصبية والشبكات الترابطية الأحدث التي تشمل التخيل والتفكير وتوجيه السلوك.
وأوضح أن الصوم يساعد على حدوث تفكك نوعي في الحيل النفسية، وهي حيل وأساليب لا شعورية يلجأ إليها الفرد لتشويه ومسخ الحقيقة التي لا يريد أن يقبلها أو يواجهها بصدق، وذلك حتى يتخلص من المسؤولية ومن التوتر والقلق الناتج عن رؤية الواقع الذي يهدد أمنه النفسي واحترامه لذاته. وأوضح الباحث أنه وجد أن أغلب هذه الحيل المعوقة للنمو الإنساني تضعف خلال الصوم وأثناء جلسات العلاج النفسي، مبيناً أن هذا الانهيار للحيل الدفاعية يحدث مع الصائم العادي كلما ازداد خشوعه وصدقه، وأشار إلى أنه لوحظ ارتباط ذلك باتساع دائرة الترابط بين التفكير الواعي والعقل الباطن بما يسمى بعملية إعادة تنسيق المعلومات على مستويات المخ المختلفة، وهي تماثل إعادة برمجة العقل.
وأضاف أن الصوم يساعد أيضاً على ممارسة خلوات علاجية وتأمل ما يساعد الفرد على الخروج من دوامة الصراعات اليومية والتوتر وإهدار الطاقات النفسية والذهنية وإصدار أوامر للعقل بالتسامح والعفو، وأكد أنه يحدث أثناء الصيام تعديل مستمر للحوار الذاتي، وما يقوله الفرد لنفسه طوال اليوم من عبارات وجمل تؤثر في أفكاره وانفعالاته، حيث يمثل الصوم فرصة لغرس معان وعبارات إيجابية، مع الاستعانة بالأذكار والدعاء وممارسة العبادات بانتظام. وأوضح أن ذلك يحدث في إطار مبادئ علم النفس الحديثة حيث يتم التعلم من خلال التكرار واتباع قاعدة التعليم المتدرج والتعلم بالمشاركة الفعالة وأسلوب توزيع التعلم. وبين أن كل ذلك يأتي في إطار منظومة متكاملة تسمح بإعادة برمجة حقيقية للجهاز العصبي والسلوكي وتعديل التفكير وتغيير العادات، حيث يصبح الصوم عبادة وتأملاً، وأيضاً تعديلاً للنفس البشرية والتخلص من الانفعالات والاضطرابات النفسية وإطلاقاً لطاقات العقل.
0 التعليقات:
إرسال تعليق