علمية: الصوم الطبي.. فوائد علاجية عديدة
يؤكد خبراء طبيون متخصصون في علوم التغذية إن للصيام فوائد علاجية كثيرة . وقد لا يعلم البعض ان عالم التغذية الأمريكي أندريا وايلر أشهر اسلامه بسبب اكتشافه عظمة هذه الفوائد . وليس الدكتور وايلر هو الذي سبق الآخرين في هذا الاكتشاف، فالقائمة تبدأ منذ ما قبل الميلاد، وعلى مدى العصور التي سبقت بزوغ فجر الاسلام والقرون التي تلته استخدم الصيام بشكل يختلف قليلا عن فريضة الصيام في الاسلام حيث يمتنع الصائم عن الطعام والشراب وما حولهما كأسلوب طبي علاجي بوسائل شتى، وصدق القائل عز وجل " وان تصوموا خير لكم" . . .صدق الله العظيم .
ومن هنا وهناك، ومن قرن إلى قرن، ظل الصوم كطريقة علاجية تتناقله أجيال الأطباء، منذ ولد الطب مع الحكمة، وحتى يجدر بالطب أن يظل مع الحكمة .فقد اكتشف عالم التغذية الأمريكي وايلر بعد قرون مما بشر به الاسلام عن فوائد الصيام، أن الصيام يحدث تجديدا لعشرة في المائة من خلايا الجسم في العشر الأول من رمضان، وخلال الأيام العشرة الثانية يحدث تجديدا لحوالي 66% من خلايا الجسم أما العشرة الثالثة فيحدث تجديدا لجميع خلايا الجسم . كما أثبت أن التركيز يكون في أعلى حالاته خلال نهار رمضان وتزيد المناعة عشرة أضعاف المناعة العادية للإنسان . كما اكتشف أن هناك حالات مرضية كان يعتقد أنها تتأثر سلبا بالصوم، مثل آلام الكليتين وتكوين الحصيات، لكن على العكس تم اكتشاف أن صوم رمضان يساعد على تركيز أملاح الصوديوم في الكلى، وهذه الأملاح تذيب الحصوات التي تتكون في الكلى خصوصا إذا تم تناول كميات كافية من السوائل .
الصوم الطبي
نظرا للفوائد العديدة التي يحققها الصوم، فقد اوجد الاطباء ما اطلقوا عليه "العلاج بالصوم الطبي"، وهو احد طرق الطب البديل الحديثة، ويقوم على الماء والعسل والفيتامينات والأملاح المعدنية .وكان الصوم بالماء قد عرف منذ قديم الزمن، ففي مرجع طب التبت الكبير "تشجودشي" في القرن السادس قبل الميلاد خصص فصلاً كاملاً تحت عنوان "العلاج بالطعام والعلاج بالصوم" .وفي مصر القديمة وبشهادة هيرودوت (450 قبل الميلاد) تبين أن المصريين القدماء كانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر كما أنهم نجحوا في علاج مرض الزهري بالصوم الطويل ولاحظ هيرودوت أنهم كانوا أيامها وربما بسبب ذلك الصوم أحد أكثر الشعوب صحة . وفي اليونان القديمة صام الفيلسوف الحكيم أبيقور (القرن السادس قبل الميلاد) أربعين يوما قبل أن يؤدي الامتحان الكبير في جامعة الإسكندرية لشحذ قواه العقلية وطاقة الإبداع عنده . أما سقراط (470-399 قبل الميلاد) فكان يصف للمرضى في أحرج المراحل أن يصوموا وكان يقول عن عمل الصوم: "كل إنسان منا في داخله طبيب وما علينا إلا أن نساعده حتى يؤدي عمله" .ثم جاء الروماني جالينوس في القرن الثاني الميلادي وأوصى بالصوم كعلاج لكل أعراض "الروح السالبة"، وكان يعني بذلك حالات الحزن وفقد الحب وفرط التوتر .ثم انتقل مشعل الطب والحكمة إلى الشيخ الرئيس أبو علي ابن سينا (780-1037 ميلادية) والذي لم يتنازل عن الصوم كدواء بل كان مفضلا لديه "لأنه الأرخص"، وكان يصفه للغني والفقير ويعالج به الزهري والجدري وأمراض الجلد . وتطول القائمة حتى تبلغ أيامنا في هذا القرن .ففي أمريكا كان هنريك تانر وكتابه "الصوم أكسير الحياة"، ثم آبتون سنكلير المدافع الصلب عن العلاج بالصوم (وكلاهما بلغ من العمر حتى التسعين) . وفي فرنسا كان سوفنير وإيف ففين، أما في الاتحاد السوفييتي سابقا فكان يوري نيكالايف .وحتى الآن ما زال في ساحة العلاج بالصوم أسماء كثيرة: منها بوشنجر الألماني وآلان كوت الأمريكي وشيلتون الإنجليزي، والبطل العالمي للملاكمة في الوزن الثقيل محمد علي كلاي الذي كان يشكو من داء باركنسون وزيادة الوزن وخلال صومه مدة ثلاثة أسابيع تحسن أكثر من 60% ولو كانت ظروفه تسمح لمتابعة الصيام إلى أربعين يوما لكان التحسن أكثر من ذلك .وقد أكد العالم الفرنسي بلزاك- وكان أشهر علماء عصره- اهتمامه بالصوم العلاجي، فقد كان يرى أن يوماً واحداً يصومه الإنسان أفضل من تعاطي ما يشير به الأطباء من الدواء .وكثيراً ما أشاد العالم سينكا بالأطباء القدامى الذين كانوا يشيرون على مرضاهم بالصيام؛ بل إن "كوبنلوس" الطبيب الإغريقي كتب في السنة العاشرة الميلادية معللاً ما لوحظ من أن الشفاء أسرع إلى المرضى الأرقاء منه إلى المرضى الأحرار، يقول: "إن هذا يرجع إلى أن الأرقاء أكثر دقة في اتباع نظام الصوم العلاجي" .
وقد تبين علمياً أنه في حال انقطاع الإمداد بالطعام من الخارج ينتقل الجسم إلى تغذية نفسه من المخزون الداخلي في أنسجته المختلفة باستثناء القلب والجهاز العصبي . وقد قدر العلماء أن الاحتياطي الذي يمكن الاعتماد عليه داخل الجسم يصل إلى 40-45% دون خطر يذكر . فكريات الدم الحمراء تنقص في البداية ولمدة أسبوعين ثم تبدأ الكريات الجديدة الشابة في الظهور والتكاثر ومع انهيار الخلايا الشائخة وتحطمها يحدث ميل خفيف إلى الحموضة لكن "احمضاض" الدم لا يحدث أبدا ولا تتغير العظام لكن نخاع العظام ينكمش قليلا نظرا لوفرة ما يحتويه من مواد غذائية مدخرة يساهم بها في عملية التغذية الداخلية . وفي الصوم الطبي يبقى وزن الكليتين ثابتاً تقريباً أما الكبد فإن وزنه ينقص لكن هذا النقص يكون على حساب المدخر من الماء والجليكوجين (السكر المختزن) دون المساس بتركيب الخلايا أو عددها .
وبينما يمكن أن ينقص وزن العضلات بنحو 40% فإن عضلة القلب لا تخسر أكثر من 3% وفي الحالتين يعود النقص إلى انكماش الخلايا وليس إلى نقصان عددها . ومن الجدير بالذكر أن القلب يرتاح كثيرا عند الصوم إذ تنخفض ضرباته إلى 60 ضربة في الدقيقة وهذا يعني أنه يوفر مجهود 28800 دقة كل 24 ساعة . والقاعدة أن الجسم يعطي من مخزون المواد العضوية ثم غير العضوية أي أنه يعطي أولا من السكريات ثم الدسم وبعض البروتين لكنه لا يفرط بسهولة في المعادن وما يشابهها فالحديد المتخلف عن حطام الكريات الحمراء القديمة يتم تجميعه وتخزينه في الكبد من جديد ليؤخذ منه عند الحاجة لهذا لا يحدث فقر الدم المتسبب عن نقص الحديد في أثناء الصوم وبشكل عام فإن الانتقال إلى التغذية الداخلية يضمن نوعا من التوازن الغذائي المحكم في حدود ما هو مطلوب حيويا وحسب هذا لا تحدث أبدا أي من أعراض سوء التغذية التي تلاحظ في المجاعات بل حتى في بعض حالات الوفرة عند زيادة السكريات على حساب البروتينات على سبيل المثال .ويؤكد الطبيب هيلموت لوتزينر من مدينة أوبرلينجين الألمانية أن الصيام يفيد الروح والجسد ويتجاوز كونه "نظاما للحمية" فقط .وأضاف لوتزينر أن من المهم تجنب التوترات والإجهاد وتحقيق الهدوء النفسي قبل بدء الصوم، مشيرا إلى أن الصيام لن يكون مفيدا على المدى الطويل إلا إذا كان بداية لتغيير في أسلوب الحياة .ومن جهته أوضح ماريون نوتيغ المتخصص في علوم التغذية بالعيادة الخاصة بالصيام في منطقة سولس فارمسدورف المطلة على بحر البطليق، أنه "يمكن لأي شخص أن يصوم من حيث المبدأ ما عدا المرضى والأطفال والسيدات الحوامل والأمهات المرضعات" .
وينصح نوتيغ بالصوم تدريجيا بتناول وجبات خفيفة في اليوم الأول وفقا لطريقة بوشنجر التي طورها الدكتور أوتو تشنجر، وهو ألماني أسس عيادات متخصصة في الصيام تحمل اسمه بأوروبا .
وقال لوتزينر إن الجسم يستعد ببطء للأيام التالية التي يتم خلالها استهلاك عشر السعرات الحرارية التي تم امتصاصها.
0 التعليقات:
إرسال تعليق